لنوضح فكرة مبسطة عن الإنتاجية ونوضحها عبر حالة افتراضية مجمعة من حقائق تحدث كل يوم ولا يعلم عنها إلا الله. تصل شحنة غذائية إلى ميناء ما عندنا. وبسبب الازدحام المروري يتأخر موظف هيئة الغذاء والدواء الذي يريد أن يصل إلى الميناء للقيام بأعمال متعلقة بالشحنات الواصلة فيتأخر وتتعطل الشحنات في الجمارك أو الميناء ليوم كامل. أكرر هذه حالة شبه افتراضية. وتتعطل الشحنات وترتفع التكاليف والتعطيل على المستورد. السبب الحقيقي هو الحركة المرورية. المقولة القديمة بأن الوقت هو المال صحيح. وعندما لا تخطط نمو المدن وتسمح لمليون سيارة جديدة ومستعملة بالدخول إلى السوق في المملكة والنزول إلى الشوارع ولا تتوسع شبكات الطرق والأطر المرورية بنفس النسبة في النمو، فلا أعرف ماذا يتوقع المخططون غير الاختناق المروري. وثبت علميا بأن العامل والمدير الذي يقضي وقتا قصيرا للوصول للعمل هو أفضل إنتاجية. وتتناسب الإنتاجية حسب البعد بنسبة معاكسة. إذن حل مشاكل وتحديات المرور في المدن الكبيرة. ومهما بلغت التكلفة (ويمكن إقناع وزارة المالية بالأرقام والمنطق والبرمجة الديناميكية ببحوث العمليات والتحليل والبرمجة) ترفع الإنتاجية للاقتصاد. وهذا أهم هدف للحكومة مع توفير وتحفيز الوظائف ورفع دخل المواطن. ولا أعرف عن مدننا ولم أسمع عن إصدار تقارير الحركة المرورية السنوية الاقتصادية. محليا مع معرفتي بوجود دراسات مرورية في الأمانات والبلديات ووزارة الداخلية بأقسام المرور. والتي تقدر تكاليف الأزمات المرورية، والوقود الضائع وتأثير الأزمات المرورية على أعصاب المجتمع وعلاقاتهم. والأهم تكاليف النقل وأسعاره وانعكاس ذلك على أرباح الشركات العاملة في المجال وعدد ساعات العمل المهدرة والتي يتحملها في النهاية المستهلك. وينتج عنها ما يعرف بالتضخم. أو يتحملها الناقل وينتج عنها انخفاض في الاستثمارات الرأسمالية أو ما يعني انخفاض في الناتج المحلي الكلي. وتوجد دراسات جيدة عالميا عن مدى تأثير المرور على سوق العمل، تحديدا إشكالية النقل في الطبقات الفقيرة تمنعهم من اللحاق بوظائف يحتاجون للوصول إليها لسيارات وتكون بعيدة عليهم. هذه الحقيقة واجهناها في المملكة عند توظيف الفتيات من جنوب جدة للعمل في مناطق شمالها وخاصة إذا كان لدوام يتأخر لليل. بل حتى اجتماعيا لم يكن هذا مقبول لديهم أو للمجتمع أو عائلاتهم. وحينما تفترض قبول كل هذه التحديات تضيف إليها تأخر كل فرد من أفراد المجتمع مثل البائعين حين تنقلهم تصبح المعوقات بين محلات التجزئة صعبة الحل. وكثير من الدراسات الأمريكية وأوروبية وصلت إلى رقم معقول هو نصف ساعة للرحلة الواحدة من مكان إلى آخر أو من المنزل إلى مكان العمل لتكون الإنتاجية معقولة. وأهم عنصر في موضوع منع الاختناقات المرورية هو إيجاد طاقات استيعابية للحركة المرورية. وهذه لا تعتمد فقط على توسعة الشوارع ولكن على أسس علمية وبرامج موسعة للتطبيق نتطرق لها في الجزء الثاني.